مجموعات التفكير .. المراكز المنتجة للآراء والمختبرات الملهمة لصناع القرار السياسي

بقلم : خالد الحراق

الرباط -أضحت مجموعات التفكير، أو مراكز الدراسات ، التي تنشط أيضا كمختبرات لإنتاج الافكار وتحليلها ، تفرض في الآونة الاخيرة نفسها كعناصر فاعلة ،بحكم تأثيرها على النقاش العام خاصة من خلال الدور التي تلعبه كملهم لصناع القرار السياسي المطالبين بتدبير واعداد السياسات المستقبلية في ظل عالم تصعب فيه الرؤيا.

وقد كان أول ظهور لهذه المجموعات في الولايات المتحدة الأمريكية منذ الأربعينات من القرن الماضي، ولم تر النور في المغرب إلا في مطلع التسعينات لملء الفراغ الذي تركه البحث الاكاديمي و الاحزاب السياسية .

و يرى أمين ظفير ، الباحث في الاقتصاد الدولي ،أنه بقدر ما سيسطر الطابع العقلاني و البرغماتي على سياسة الدولة بقدر ما يزداد تأثير هذه المختبرات الفكرية ،مما يضطر معه الفاعلون السياسيون إلى الاستفادة من منتوج مجموعات التفكير.

وسجل أن الجهات الفاعلة في الدبلوماسية الاقتصادية ” لا تستفيد غالبا من خدمات المتخصصين في مناطق معينة من العالم ، أو لا تتوفر على ملفات تهم بعض المواضيع الحساسة “، مضيفا أن مجموعات التفكير يمكن ان تجري دراسات مستفيضة وتقدم بالتالي التوصيات المناسبة .

وفي هذا السياق ، كان صاحب الجلالة الملك محمد السادس قد دعا ، في الرسالة السامية الموجهة للمشاركين في أشغال الندوة الاولى للسفراء ،وزارة الشؤون الخارجية والتعاون للاستفادة مما يتوافر لدى المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية من خبرات وكفاءات، بما يخدم المصالح الوطنية .

كما أهاب جلالته بهذا المعهد التعاون مع الوزارة ، وتكريس جهوده للمجال الدبلوماسي، ولمختلف القضايا المرتبطة بالعلاقات الخارجية للمغرب، في مختلف المجالات، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.

من جهته، اعتبر منسق مجموعة البحث حول السياسات العمومية ، لدى المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية عبد الرحيم المصلوحي “أن السياسيات العمومية الناجحة يجب ان تقوم دائما على اساس معطيات معرفية متينة ، ومن هنا جاءت ضرورة قيام الحكومات اليوم بإدماج الكفاءات الناشطة في مجموعات التفكير في تطوير الاستراتيجيات وخطط العمل”.

و قال في هذا الصدد ” إن الامر يتعلق ببروز اقتصاد جديد للمعرفة على نحو سلس كإطار من المبادرات التي تجمع بسهولة بين انتظارات الساكنة و المجهود الاصلاحي للقادة السياسيين. ”

و يرى هذا الخبير ان إشراك مراكز البحوث في وضع استراتيجيات وطنية أضحى مطلبا دستوريا، على اعتبار ان نظام السياسات العامة يستند إلى مبادئ الحكم الرشيد القائم على مشاركة المواطنين أنفسهم، والتقييم العقلاني والتشاور مع جميع الهيئات، بما في ذلك مراكز التفكير في مسلسل اعداد هذه السياسات.

أما مدير الاستراتيجية في معهد (أماديوس) طلال صلاح الدين ، فاعتبر أن مجموعات التفكير أصبحت تلعب أكثر من اي وقت دورا بارزا و نافذا من خلال الافكار التي تنتجها ، مشيرا الى أن الوعي تزايد في الاونة الاخيرة بأهمية هذه المراكز في عملية صناعة السياسات العمومية .

وفي هذا السياق ، أبرز جواد الكردودي ، مدير المعهد المغربي للبحوث الدولية أن هذا الاخير أنشأ، بالتنسيق مع عدد من المراكز المماثلة، شبكة لمجموعة التفكير على الصعيد الوطني ، لتبادل المعلومات والوثائق، وتنسيق الأنشطة، وتنظيم الندوات بشكل مشترك و تعزيز تواجد هذه المجموعات.

تجدر الاشارة الى انه من أصل 6603 مجموعة للتفكير التي تم احصاؤها عبر العالم سنة 2012 ، فإن اكبر عدد من هذه المعاهد يوجد في الولايات المتحدة الامريكية حيث يتمتع بعضها بنفوذ وتأثير قويين في العالم .

و إذا كان المغرب متموقع بشكل جيد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وكذا في المغرب العربي ، فهو مع ذلك مدعو لمضاعفة الجهود في مجال تشجيع مراكز البحوث والتفكير، وخاصة تلك المتخصصة في المجالات الاستراتيجية ,وذلك لتكريس موقع المملكة على الساحة الدولية .