آخر الأخبار
متحف الفن الحديث في الدوحة.. سفر اللوحة وإقامتها بين حوار التقاطعات والأضداد وزخم الدلالات الفنية

متحف الفن الحديث في الدوحة.. سفر اللوحة وإقامتها بين حوار التقاطعات والأضداد وزخم الدلالات الفنية

الجمعة, 28 سبتمبر, 2018 إلى 12:01

زهور السايح

الدوحة – داخل المتحف العربي للفن الحديث، في أحد أطراف المدينة التعليمية ل”مؤسسة قطر ” بقلب الدوحة (العاصمة القطرية)، تستدعي قاعات العرض ببذخ فني راقي زائرها الى حوار يفتتحه البصر، وتجلو البصيرة بعض خفاياه ودلالاته، وتلتذ الروح بتقاسيم، تمر خفافا على مسامعه، حين يحدس، في يقظة وعي وتأمل، أن الشكل واللون وتداخل الظل والضوء داخل اللوحة، أو العمل الفني عموما، لغة تنطق بالمرئي، وتحكي قصة إقامة في فضاء محدود، لكنه ضاج بالدلالات الفنية، يسافر فيه وعبره نحو فضاءات أرحب تتجاوز المكان والزمان.

من حسنات تلك اليقظة، الحالمة في ذات الوقت، أن تحمل الى اليقين أن اللوحة تعبر حضن إقامتها، وتسافر، مجللة بضياء وشلالات ألوانها وفيض تشكيلاتها، طافحة بدلالات، تتجاوز في كثير من الأحيان المقصدية الواعية لمبدعها، لتخترق أمان المتلقي المقبل على ارتشاف جمالياتها .. ولتصيح بملء شموخها الفني أن حوارها لن يقف عند حدود لحظة أو لحظات التلقي، وأنها رغم إقامتها الساكنة على حائط العرض، فهي في سفر دائم .. سفر يحمل بين أجنحته زخم الدلالات الفنية الصاخبة المنفلتة من باقي لوحات العرض، في منحنيات ما قد يُحدَس كحدود تقاطع أو تضاد بينها.

تعبر اللوحة فضاء الزمان والمكان، ولا يكون المتحف بقاعات عروضه المتعددة والموضوعاتية، في تفاصيل تقنيات العرض، غير بوابات في دائرة متكاملة، ومنذورة لأن تحمل المتلقي في جولات لامتناهية. كل جولة تمنح الرغبة في الاستزادة. وتُوقع في البصيرة ان المعنى ما يزال في جب اللون والشكل. بل إنه قد يكون غاب، أو كادت تتوارى أسراره، عن لهفة المبدع نفسه؛ حين كان يمرغ فرشاته في بياض اللوحة، قبل أن تكتسي وهجها النهائي. وأن هذا المعنى يمتلك أن يَتَمنَّع، كما يمكن أن يكون طيِّعا يَنسَكِبُ الى ما لا نهاية له من دلالات مع كل متلق راغب في الالتذاذ بلغة المرئي وتجاوزها الى ما هو ابعد.

تلك الحالة الفنية في تماسها بإبداع الإنجاز والتلقي، هي ما تجعل كثيرا من التشكيليين صارمين في تجنب إعطاء قراءة دلالية للوحة غير ما تفضي به من إشراقات متجددة. بل منهم من يعتبر إعطاء إسم للوحة تقزيما لدلالاتها ولفيض ما قد تتيحه عند حوارها المباشر بالمتلقي.

ويعتبر كثير من الفنانين التشكيليين ان حركة الفرشاة لا تولد معنى مباشرا، وإنما تخلق حالة جمالية قد تتفجر منها معاني بعدد المتلقين. وهو ما يجعل اللوحة سفرا دائما للحاق بدلالات جمالية غير قابلة للحصر أو التعيين. وهو من جانب آخر، ما يعطي للوحة امتدادا عابرا للزمن متعاليا عليه. ويجعل المتاحف عنوانا وتأكيدا على هذه الأزلية المتجددة الحضور والتجلي فنيا.

يقول مدير المتحف العربي للفن الحديث، المغربي عبد الله كروم، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن المتحف لا يشكل فقط فضاء مستوعبا للأعمال الفنية من تشكيل على اللوحة او نحت أو إنجاز فني، وإنما يتجاوز ذلك بكثير، موضحا أنه من خلال مهامه أيضا ك”قَيِّم معارض” أو “امين معارض”، يتحول المتحف على يديه الى نسيج جامع ولاحم ما بين الدلالات الفنية.

ويتولى المتحف، عبر هذا المدخل، وبشكل ضمني، مهمة التحفيز على التفاعل، وأيضا على استيعاب ما وراء المعطى الفني الماثل مرئيا. ويؤسس، بالنتيجة، لدعوة مفتوحة ومتواصلة لمقاربة تجارب فنية مختلفة، وقد تكون متقاربة، ولكنها أيضا دعوة لبناء تجربة خاصة في التلقي والتعلم، ولما لا الانطلاق في تجربة إبداع شخصية.

يضيف السيد كروم، خريج جامعة بوردو في تخصص “تاريخ الفن والتواصل”، أن من مهام قَيِّمِ المعارض أن يؤسس من خلال أسلوب في الانتقاء والعرض “لغة معارض” تجعل الأعمال الفنية متاحة للزوار بمختلف أعمارهم وفئاتهم واجناسهم. ولن تكون هذه العملية ناجحة، برايه، إلا من خلال “دراسة عالمة”، بمرجعية تاريخية ودراية ومعرفة أكاديمية للأعمال الفنية؛ تستوعبها كإبداعات في سياقها التاريخي والفني والمجتمعي، وتحيط بأساليب مبدعيها.

ومن هذه الزاوية يكون المتحف، برأيه، وقد خبر مهمة إدارته ما يقرب من خمس سنوات، مجالا لمقاربة العمل الفني، كوحدة فنية مستقلة، ولكنها غير منفصلة في النهاية عن أسلوب وتقنيات ومحركات العرض، لأنها جميعا تعطي طعما أوليا للدخول في حوار مع العمل وحدس علاقته بسياق انتاجه وحجم تواصله مع الواقع ومكان العرض وأفق نزاله الحواري الفني مع المتلقي، وفي المحصلة، تَلَمُّس بعض محددات الرسالة الفنية أو الأثر الفني.

وبهذا المعنى، يعتبر السيد كروم، الذي كان وراء مجموعة من المشاريع الفنية وشارك كمنسق معارض فنية في فرنسا والسنغال وبنين والمغرب، أن تجربة التلقي الفنية لا ينبغي أن تنفصل عن تجربة التعلم، إذ من مهام المتحف أن يجعل من اللوحة أداة للتعلم أيضا، ويعمل على توظيفها في برنامج تربوي أو مشروع تعليمي؛ باعتبار المتحف جزءا من مشروع تربوي وتعليمي مجتمعي. يصبح العمل الفني فيه ومن خلاله جزءا أصيلا من مكونات الإرث الثقافي للمجتمع، وأحد روافد الثقافة الإنسانية في كليتها.

وبنبرة فخر لا تخفى لفت مؤسس مختبر بحوث (الفن والتكنولوجيا والبيئة) التابع لمدرسة السينما في مراكش، الى الدور التعليمي الذي يقوم به المتحف العربي للفن الحديث، حيث توجد قاعات فسيحة خاصة لتقديم دروس مجانية على يد أساتذة مبرزين في فنون التشكيل لفائدة الراغبين في ذلك من عامة الناس ومن مختلف الفئات العمرية.

وعن الحضور التشكيلي المغربي في المتحف، أكد السيد كروم، الذي كان عمل مديرا فنيا في 2012 للجائزة الدولية للفن المعاصر في مؤسسة الأمير بيير دو موناكو، أن المغرب من بين ثلاث دول عربية، في الوقت الحاضر، مشهود بأهمية وتنوع ما لديها من تجارب تشكيلية، ولن تستقيم وجاهة ومصداقية عروض متحف يأخذ على عاتقه التوثيق لتجارب الفن الحديث دون أن تكون عينات بارزة من هذه التجارب ضمن مقتنياته ومعروضاته، مثمنا، في هذا الصدد، روح التعاون القائمة بين المتحف العربي للفن الحديث ومتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر، خاصة في ما يتعلق بتبادل بعض الأعمال الفنية لإغناء برامج المعارض لدى الجانبين.

ووفقا لهذه المنهجية في استيعاب دور المتحف، تتجاور في قاعات عروض المجموعة الدائمة للمتحف العربي للفن الحديث الأساليب الفنية، وتتباعد وتتعدد ولكنها تلتقي عند حضور، أراد الفريق الفني للمتحف، أن تنتظم في إطاره وفقا لتبويب موضوعاتي؛ حيث البداية من ثيمة “المرأة” كمبدعة وكموضوع للعمل الفني، باعتبارها، وفقا للرؤية المؤسسة للعرض، “رمزا للحرية”، يمثل وضعها داخل المجتمع مقياسا ومؤشرا على مستوى تَحَضُّرِ هذا المجتمع، وأحد إيقاعات نبض المعطى الحقوقي في شموليته.

وتطل من قلب هذه التجربة بشكل بارز الفنانة التشكيلية المصرية والناشطة الحقوقية، الراحلة إنجي أفلاطون من خلال مجموعة من البورتريهات لنساء من معترك الحياة المصرية. وفي مقابلها تزهو لوحات الفنانة الشعيبية طلال بحضور فني مفتون بألوان الطبيعة، وأشكال نسائية متزاحمة في احتفاليات لا تنتهي، يسكنها روح تفاؤل عجيب، في إعادة بناء لواقع المرأة في بادية اشتوكة في مناسبات بعينها كالزفاف، وجلسات البوح والحكي النسائي.

كما تحضر بقوة أعمال الفنانة السعودية منال الضويان الفوتوغرافية وإنجازها الفني تحت مسمى (معلقات سويا) الذي يرثي لواقع حال وعرف مجتمعي يلتقيان معا عند إقرار ارتهان حرية تحرك المرأة بمزاجية الذكر المسيطر داخل الأسرة.

ومع تجارب باقي الفنانين الممثلين في المجموعة تحضر المرأة بأبعاد ومعاني تتقاطع وتتعاضد وتتكامل في كثير من الأحيان، ولكنها تبقى الأنثى كبعد فني بتنويعات تجارب مستمدة من عمق اجتماعي وقناعة تشكل ضمنها أساسا اجتماعيا وعاطفيا لا غنى عنه، وبالأخص في أعمال فنانين عراقيين كفائق حسن أو جواد سليم، ومصريين كمحمود مختار وجاذبية سري، أو من سوريا كمروان قصاب باشي أو السودان كإبراهيم الصلحي أو لبنان كبول غيراغوسيان أو قطر كسيف الكواري.

وتتعدد المنافذ الجمالية والدلالية لباقي مكونات المجموعة الدائمة من خلال تبويب موضوعاتي آخر ينفتح على ثيمات ممثلة في “صور لمجتمعات متغيرة شاهدة وقارئة للتاريخ” وفي “إعادة اختراع المواد”، وفي “الرياضيات والفسيفساء والنظم العالمية والإدراكية”، وذلك من خلال تجارب تمتد عبر ربوع الوطن العربي، ويحضر فيها المغرب عبر أعمال فنية لكل من أحمد الشرقاوي وجيلالي الغرباوي وفريد بلكاهية ومحمد المليحي.

وبما ان لكل متحف استراتيجيته الخاصة في إنتاج المعارض والبرامج التربوية، يؤكد السيد كروم، الذي كان من المؤسسين للشقة الفنية 22 في الرباط ولمشروع إذاعتها، فقد اختار المتحف العربي للفن الحديث، بتعاون مع متاحف قطر، أن تكون ضمن عروضه المجموعة الدائمة المؤلفة من 250 لوحة بمداخل موضوعاتية متعددة، تتغير كل سنتين أو ثلاث سنوات، وفقا لعملية اختيار تنهل من رصيد المتحف البالغ تسعة آلاف لوحة، في عدد يتناسل باستمرار بفعل عمليات اقتناء متواصلة.

وتغتني، يضيف مدير المتحف، عروض المجموعة الدائمة بمعارض الربيع التي تنطلق أواسط مارس، ومعارض الخريف التي تفتتح وسط شهر أكتوبر، مشيرا الى أن برنامج معارض خريف هذه السنة تبدأ في 17 أكتوبر المقبل بأربعة معارض؛ معرض “أجيال الثورة” لفنانين من العالم العربي وتركيا والهند وفناني المهجر، تُبرزُ أهم التحولات الفنية، بدءا من خمسينيات وستينيات القرن الماضي، مرورا بالسبعينيات والتسعينيات، وصولا إلى العقد الأول من الألفية الثانية. يحضر فيها المغرب من خلال أعمال الجيلالي الغرباوي وفريد بلكاهية ومحمد شيبا وهشام بن هود.

كما يستضيف المتحف خلال هذه الفترة معرضا يضم أكثر من 150 لوحة من أعمال التطريز للفنانة اللبنانية منيرة الصلح بعنوان “أؤمن بشدة بحقنا في ان نكون طائشين” نفذته، في إطار صرخة فنية إنسانية، بتعاون مع لاجئين سوريين، ومعرضا آخر لأعمال الفنان التشكيلي السوري الراحل فاتح المدرس في موضوع “اللون والامتدادية والحس” في ارتباطها بالسريالية والصوفية، وآخر للفنان القطري جاسم زيني، تحت شعار “تصوير وتجريد”، يكشف عن رؤيته الفنية، ولوحاته المليئة بنض التحولات المتعددة الأبعاد التي أحدثها ظهور النفط في بلاده والمنطقة الخليجية.

 

 

 

اقرأ أيضا

مراكش .. البلدان الإفريقية مدعوة إلى إيجاد حلول مستدامة من أجل تكييف الفلاحة مع التغيرات المناخية (مناظرة)

الأربعاء, 24 نوفمبر, 2021 في 22:02

أكد المشاركون في المناظرة الجهوية الإفريقية الخامسة للجنة الدولية للري والصرف، اليوم الأربعاء بمراكش، أن البلدان الإفريقية مدعوة إلى إيجاد حلول مستدامة من أجل تكييف الفلاحة مع التغيرات المناخية، وذلك بالرغم من كونها الأقل إصدارا للغازات الدفيئة.

التنمية المستدامة .. إبرام اتفاقية شراكة بين وزارة العدل والوكالة المغربية للنجاعة الطاقية

الأربعاء, 24 نوفمبر, 2021 في 21:55

أبرمت وزارة العدل والوكالة المغربية للنجاعة الطاقية اتفاقية شراكة تهدف إلى تقديم الدعم الفني لدمج تدابير النجاعة الطاقية وتحقيق اقتصاد طاقي بالمباني وبأسطول النقل الخاص بالوزارة.

البطولة الوطنية الاحترافية “إنوي” (الدورة 12)..التعادل السلبي يحسم المواجهة بين المغرب الفاسي و ضيفه الجيش الملكي

الأربعاء, 24 نوفمبر, 2021 في 21:50

حسم التعادل السلبي ،صفر لمثله ،المباراة التي جمعت فريق المغرب الرياضي الفاسي وضيفه الجيش الملكي ، مساء اليوم الاربعاء على أرضية المركب الرياضي بفاس برسم الدورة 12 من البطولة الوطنية الاحترافية “إنوي” لكرة القدم.

انقر هنا للمزيد من المعلومات...

MAP LIVE

أخبار آخر الساعة

M24TV

الأكثر شعبية