آخر الأخبار
عن موكادور مرة أخرى .. حديث المدينة الذي لا يمل منه كنسيم ليل صيفي هادئ (بورتريه مدينة)

عن موكادور مرة أخرى .. حديث المدينة الذي لا يمل منه كنسيم ليل صيفي هادئ (بورتريه مدينة)

الإثنين, 17 يونيو, 2013 إلى 19:25

الصويرة – عن المدينة وتاريخها كتب الكثيرون، عن جمالها رسم العديدون، لكن غموضها لم يزل متقدا، وهجا لا يخبو، يحمل القادم إليها نحو عالم بوابته حصون المدينة قديما، ومنتهاه قصبة تجاور المحيط في هدنة تدوم منذ قرون.

هدير البحر يوقظ موكادور المتثائبة، المتدثرة برمالها الذهبية، يحمل قوارب الصيادين نحو الميناء، بعد ليلة في عرض المياه بحثا عن لقمة العيش، تتقاطر الحافلات الأولى للسياح الذين يجوبون المدينة محملين بآلات التصوير التي لا ترغب في تفويت لقطة نورس يراقب عن كثب أسماكا معروضة للبيع داخل الميناء.

محلات المدينة تنفض عنها رطوبة الليل، الباعة يرصون سلع الواجهة التي يجذبون بها عين السائح الفاحصة التي تتيه وسط مشغولات صناعة العرعار ومنتوجات الجلد تارة، وتتطلع إلى الأزقة الضيقة التي يشكل ولوجها تجربة فريدة للسفر عبر تاريخ المدينة. تلك المدينة ملؤها العالم.

الشواطئ الفسيحة تغري بممارسة كافة الرياضات ولن يكون الوقت كافيا أبدا للتمتع بكل الأنشطة، بين ركوب الخيل أو الجمال، بين الرياضات المائية أو مجرد الاسترخاء ومشاهدة النوارس المتحلقة حول قارب يهم بالرسو بالميناء أو مراقبة مروحيات الرحبة الريحية.

الشاطئ المحاذي للمدينة نمط عيش قائم بذاته، ليس مجرد فضاء للاستمتاع بأمواج متلاطمة ونوارس حائمة. الحياة تدور حوله، حدائق ألعاب الأطفال تتخذ منه مستقرا لها، هناك يتلقن الصغار عشق البحر بينما هم يلهون في الأراجيح أو يعبثون بقصور الرمال التي يجدون صعوبة في بنائها، فتنساب بعد أن يهدهد كيانها ريح الأليزي.

النساء يتخذن من الرمال الذهبية بساطا يفترشنه لمراقبة الصغار تارة، وتبادل أطراف الحديث مع الأخريات، وفي الأفق شمس أزف موعد رحيلها، لتنثر ألوان شفق الغروب. لوحة لا يمل من مشاهدتها القاطن بالمدينة ولا يكل من تتبع آخر لحظاتها الزائر عله يحفظ عن ظهر قلب كل تفاصيلها.

التلاميذ أيضا يجعلون من الشاطئ شارعا رئيسيا يختالون عبره ببذلاتهم المدرسية وحقائبهم غير آبهين لثقل المقررات الدراسية أو عبء الفروض المنزلية التي سيتوجب عليهم إنجازها. فالمهم الاستمتاع بلحظات شباب زائلة وطموحات في الحياة تعانق المحيط. أما السياح الأجانب، فلا يتوانون عن السباحة خلال أشهر نعتقدها مخصصة للتدثر بالملابس الشتوية.

بريق شمس دافئة يجعلهم يرحلون إلى فصول الصيف التي تفصلها سنوات ضوئية عن البرد القارس الذي يسود بلدانهم. فكأنما يجدون بالصويرة ضالتهم، الصيف قبل الأوان. حلم كل طفل، صغيرا كان أو كبيرا.

بعض هؤلاء الأجانب، إن لم نقل عدد متزايد، اختار تمديد الإقامة بالمدينة لتصبح دائمة. منهم من أنهكته سنوات العمل ببلدانهم الأصل فحجوا إلى الصويرة لتمضية فترة التقاعد بنكهة عطلة طويلة الأمد، أما البعض الآخر، فرأى في المدينة فرصة عمل ذهبية تزدهر فيها تجاراتهم، من تسيير المطاعم والفنادق ودور الضيافة إلى تدبير أروقة معارض الفن التشكيلي، تجدهم أيضا في مهن مرتبطة بالمنتوجات التجميلية، فقد أدركوا منذ سنوات الأهمية الطبية والغذائية للمنتوجات المحلية، من زيوت الأركان وغيرها.

ولجوا أيضا القرى الصغيرة، فأنشأوا دورا للضيافة أطلقوا عنان مخيلتهم لهندستها التي تجمع بين سحر الشرق ورفاهية الغرب، فجاءت مزيجا جميلا بين الحضارات تغري الزائر بطيب المقام.

تصطف أكشاك السمك قرب الميناء، في دعوة مفتوحة لتذوق أطباق سمك مشوي تم اصطياده حديثا، لا أحد يفلت من هذا الطقس اللصيق بمآثر المدينة التاريخية حد التماهي. المقيمون والزوار يستسلمون لوجبة بسيطة أو مترفة، محورها السمك دون منازع. مقاهي ساحة مولاي الحسن كفيلة باستقطاب الزوار الذين أفرطوا في الأكل، حيث يستريحون من عناء الانبهار بكل تفاصيل المدينة مستمتعين بكأس من الشاي، يرتشفونه بكسل وهم يتتبعون حركة المارة عبر دروب الساحة، من المدينة العتيقة نحو الميناء أو الشاطئ.

تؤثث الأرصفة لوحات تشكيلية مصغرة، مرسومة على الجلد، تجاورها بعض علب ومشغولات العرعار وطاقيات الكناويين المنسدلة جدائلها بخرزات “اللوبان”، تجتذب أعين الكثيرين ويبتاعها قلة من الناس، فيما تلقى الفطائر الساخنة المحشوة بالشوكولاطة التي تباع بمحاذاتها إقبالا منقطع النظير لدى المغاربة والأجانب، خاصة الصغار، شقراء كانت شعورهم أم داكنة، فالجميع سواسية أمام سحر الوجبة الخفيفة الدافئة التي تزيل تعب المسير من الشاطئ وحتى المدينة وعناء يوم كامل من التمرغ في الرمال واللعب بمحاذاة الأمواج.

للثقافة حضورها بالمدينة، فالتاريخ العريق للمدينة يجعلها قبلة للتظاهرات الثقافية التي تحتفي بمختلف تجليات هذا التاريخ ولن يكون للزائر سوى حيرة اختيار حضور مهرجان أو آخر. فبين ” الأندلسيات الأطلسية”، و”ربيع الأليزي” أو “كناوة وموسيقى العالم”، سيكون الاختيار صعبا، فكل مهرجان طقوسه وفضاءاته، والقاسم المشترك مجانية العروض سواء كانت لحفل موسيقى الصالونات الراقية التي تجذب عادة اهتمام نخبة معينة، أو حقل تلاقح فني أندلسي، أو حتى لحضور ليلة كناوية ذات الطقوس الروحانية الغائرة جذورها في تاريخ المدينة العتيقة.

أما الفن التشكيلي، فقد صار عنوانا للمدينة تجد آثاره في كل مكان. عديدون هم الفنانون التشكيليون الصويريون العصاميون الذين وجدوا في المجال فرصة للتعبير عن ذواتهم، بأسلوب تعبير يتم بالبساطة والارتباط الوثيق بأسرار المدينة، ينافسهم في هذا المضمار الأجانب الذين استلهموا روح المدينة ورصدوها ضمن تفاصيل لوحاتهم التي تزين أروقة المعارض الفنية المنتشرة بالمدينة العتيقة.

يأزف موعد الرحيل، ويغادر المرء المدينة أملا في الاحتفاظ بنزر يسير من الذكريات المتقدة، التي تزيد من وهج أسطورة المدينة، لتظل ذاكرة حية تنبعث من الأماكن والوجوه، لا شيء ينتقص أبدا من سحر موكادور، غير أن إرثها يغتني كل يوم بكل زائر حل بين ظهراني أهلها ولو لوهلة.

بقلم : بشرى أزور

اقرأ أيضا

مراكش .. البلدان الإفريقية مدعوة إلى إيجاد حلول مستدامة من أجل تكييف الفلاحة مع التغيرات المناخية (مناظرة)

الأربعاء, 24 نوفمبر, 2021 في 22:02

أكد المشاركون في المناظرة الجهوية الإفريقية الخامسة للجنة الدولية للري والصرف، اليوم الأربعاء بمراكش، أن البلدان الإفريقية مدعوة إلى إيجاد حلول مستدامة من أجل تكييف الفلاحة مع التغيرات المناخية، وذلك بالرغم من كونها الأقل إصدارا للغازات الدفيئة.

التنمية المستدامة .. إبرام اتفاقية شراكة بين وزارة العدل والوكالة المغربية للنجاعة الطاقية

الأربعاء, 24 نوفمبر, 2021 في 21:55

أبرمت وزارة العدل والوكالة المغربية للنجاعة الطاقية اتفاقية شراكة تهدف إلى تقديم الدعم الفني لدمج تدابير النجاعة الطاقية وتحقيق اقتصاد طاقي بالمباني وبأسطول النقل الخاص بالوزارة.

البطولة الوطنية الاحترافية “إنوي” (الدورة 12)..التعادل السلبي يحسم المواجهة بين المغرب الفاسي و ضيفه الجيش الملكي

الأربعاء, 24 نوفمبر, 2021 في 21:50

حسم التعادل السلبي ،صفر لمثله ،المباراة التي جمعت فريق المغرب الرياضي الفاسي وضيفه الجيش الملكي ، مساء اليوم الاربعاء على أرضية المركب الرياضي بفاس برسم الدورة 12 من البطولة الوطنية الاحترافية “إنوي” لكرة القدم.

انقر هنا للمزيد من المعلومات...

MAP LIVE

أخبار آخر الساعة

M24TV

الأكثر شعبية