الدراجة الهوائية تحظى بشعبية كبيرة لدى الألمان رغم ريادتهم في مجال صناعة السيارات

(بقلم: نادية أبرام)
برلين- تحظى الدراجة الهوائية لدى الألمان بشعبية كبيرة، وتعرف إقبالا متزايدا في بلد تعرف صناعة السيارات به ازدهارا استثنائيا، إذ تحقق ربع تريليون أورو في السنة وتساهم بحصة الأسد في إنعاش الاقتصاد الوطني.
وبات استعمال الدراجة الهوائية من أبرز مظاهر الحياة اليومية في مدن ألمانيا، كبرلين سواء في فصل الصيف أو أيام الشتاء الباردة، وحتى مع تساقط الثلوج، ولا يقتصر ركوبها على فئة دون أخرى بل تعد وسيلة محببة لدى الجميع حتى كبار السن، إذ تيسر بدرجة كبيرة حركة التنقل في شوارع لا تعرف ذلك الاختناق في حركة المرور الذي تعرفه عادة كبريات المدن في العالم إلا نادرا.

وغالبا ما تصادف في الطريق أفراد عائلة بكاملها بدراجاتهم الهوائية يقومون بجولة جماعية في مختلف فضاءات المدينة، والملفت للنظر أن الأمهات أصبحن يستعملنها للتنقل بأبنائهن الصغار لقضاء مآربهن دون صعوبة، عبر ربطها بعربة مجرورة مجهزة بكل وسائل الراحة.

أما الموظفون فلا يتوانون عن استعمالها للوصول إلى مقار عملهم، دون استشعار أدنى حرج وهم بهندامهم الرسمي، فيما يجد فيها مسؤولون كبار في الدولة وسيلة لكسر الروتين وممارسة الرياضة، وتمثل الوسيلة المفضلة الأكثر تلاؤما بالنسبة للطلبة والعاملين في مختلف القطاعات.

وشكل تنامي شعبية الدراجات الهوائية للبعض، وببرلين تحديدا، فرصة للاستثمار عبر تأسيس وكالات لكرائها، والتي تزايد عددها مع تزايد الطلب عليها، سواء بالنسبة لأبناء المدينة الذين يكترونها في أوقات معينة أو بالنسبة للزوار الوافدين على العاصمة التي تشهد حركة سياحية على مدار السنة.

وانتشرت بالعاصمة أيضا دراجات هوائية سياحية بسائق، كتبت عليها عبارات متعددة لتسويق وجهتها، تدعو الزوار لاكتشاف جمال المدينة، ويتفنن أصحابها في تصميمها بأشكال متفردة ومثيرة، يقل بعضها أزيد من ستة أشخاص، وما ذلك بغريب على الألمان الذين ظهرت ببلدهم البوادر الأولى لاختراع الدراجة في القرن 19 ، وتحديدا سنة 1820، وكان يطلق عليها آنذاك آلة الركض.

وشكلت الدراجات السياحية فرصة للشباب، سواء الإناث أو الذكور، لاستخدامها كمصدر لعيشهم، وتشهد دراجاتهم إقبالا من طرف السياح الذين يفضلونها للقيام بجولاتهم.

وعزز من تنامي أعداد مستعملي الدراجات الهوائية بالبلاد دعوات أنصار المحافظة على البيئة للتقليل من استعمال السيارة بهدف التقليص من نسبة الانبعاث الحراري وتخفيض حجم استهلاك الوقود، ما جعل أعدادها يقدر في ألمانيا بالملايين، وما ساهم بقدر كبير في انخفاض حجم ثاني أكسيد الكربون بهذا البلد الذي سجل مؤخرا تراجعا بحوالي 3 ملايين طن كمعدل سنوي.

ومن أهم الجمعيات التي تنشط في هذا المجال نادي الدراجات الألماني، الذي ينظم مباراة سنوية لتتويج المدن الصديقة للدراجات الهوائية، ويطلق مبادرات كتلك التي حملت شعار “العمل والدراجة”.

ولمواكبة هذا الشغف بالدراجة الهوائية، تمت إقامة مسالك ومواقف خاصة بمستعمليها في أغلب شوارع برلين، خاصة وأن أزيد من 80 في المائة من الأسر الألمانية تمتلك دراجة واحدة على الأقل.

ولم تعد السيارة لدى العديدين ضرورة، بل إن البعض أقدم على استبدالها بالدراجة الهوائية، وبات يستعملها في تنقله حتى في المسافات الطويلة التي قد يلجأ أحيانا إلى اختصارها باستعمال القطار أو مترو الأنفاق مقتنيا تذكرة له وأخرى لدراجته.

وعندما تكون الحاجة إلى السيارة ضرورية فإن الألمان يستعينون ب”منظمات المشاركة في سيارة واحدة” التي تنشر إعلاناتها عبر الشبكة العنكبوتية. وإذا ما رغبوا في التنقل إلى مدن بعيدة فلديهم أيضا خيار البحث عن أشخاص لديهم نفس الرغبة لاقتسام الرحلة، مع اصطحاب الدراجة طبعا.

وتفيد بيانات بأن قيمة مبيعات الدراجة الهوائية سجلت سنة 2008 حوالي 7ر1 مليار أورو، ما دفع إلى التفكير جديا في تشييد طريق سريع خاص بها.