الحاضرة الدينية تيفاوان .. قطب ثقافي للتلاقي الروحي ولإشعاع الإسلام في السنغال

داكار – تمكنت الحاضرة الدينية تيفاوان، التي تقع على الطريق المؤدية من داكار إلى مدينة سانت لويس، على مر السنين، من أن تكتسب، وعن جدارة، سمعة خاصة كقطب هام للتلاقي الروحي ولإشعاع الإسلام في السنغال، بفضل مدرسة علوم الدين التي أنشأها سيدي الحاج مالك سي، وواصل عمله أصحابه وأحفادهم.
واضطلعت حاضرة تيفاوان، على مر العصور، باعتبارها فضاء روحيا للتقوى والتأمل، وارتبط اسمها ارتباطا وثيقا بالاحتفالات السنوية بعيد المولد النبوي الشريف، بدور رئيسي في تعزيز العلاقات بين الطرق الصوفية وكذا بين السنغال وبقية العالم الإسلامي.
وواصل خلفاء الحاج مالك سي، وهم سيدي أبابكار سي وسيدي الحاج منصور سي وشيوخ آخرين للطريقة التجانية، تعزيز هذه العلاقات التي دشنها الحاج مالك سي بين شيوخ الطريقة التجانية والطرق الأخرى وبين زاوية فاس وزاوية تيفاوان.
كل هذا الإشعاع والاحترام اللذين تحظى بهما الحاضرة الدينية تيفاوان، يجعلان منها معلمة جديرة بالاهتمام وتستحق العمل على الحفاظ عليها وتعزيز مكانتها، إضافة إلى التأثير الواضح للطريقة التجانية في الحركية الاجتماعية والعمرانية التي تعرفها هذه الحاضرة الغنية بالمعالم التاريخية، المتشبعة بالغنى الثقافي والروحي، ومن بينها مسجد سيرين  بابكار سي أو المسجد الكبير الذي يحمل اسم ماليك سي.
ويتوزع أبناء أسرة تيجان سي، وكذا أبناء الحاضرة، في جميع أنحاء العالم لنشر تعاليم الطريقة، والحفاظ على إرث الشيخ الحاج مالك سي، باعتباره أكبر عمل تفتخر به الأوساط الدينية السنغالية.
وبكتابته للعديد من المؤلفات المتنوعة حول الدين وحول الطريقة التجانية، مهد الشيخ الحاج مالك سي الطريق لتقاليد معرفية تقوم على الإسهام الفكري، وتتميز بمقاربة ثقافية تتضح من خلال المرجع الذي وضعه تحت اسم ” كفاية الراغبين”.
هذا الإشعاع يؤكد أن الحاضرة الدينية تيفاوان ليست تراثا خاصا بالتجانيين. فقد عمل الشيخ الحاج مالك سي، الذي اشتهر بالتقوى والحكمة، على ربط هذه المدينة في وقت مبكر بالعواصم الكبرى في العالم الإسلامي، وجعلها مقصدا للراغبين في تحصيل العلم. وبذلك تكون حاضرة تيفاوان معروفة من فاس إلى القاهرة ومن لبنان إلى المملكة العربية السعودية.
واعتبر العديد من المفكرين أن الوقت حان ليحتل هذا التراث العريق مكانه المناسب في دراسة التراث الثقافي والفكري، لا سيما وأنه لا يعقل أن لا تكون مدينة مثل تيفاوان، التي اضطلعت لفترة طويلة بدور كبير في تشكيل التاريخ الديني والفكري للسنغال، موضوع دراسة جادة.
وفي هذا السياق شرع سيرجين عبد العزيز آل سي أمين، وعن اقتناع، في مشروع يتمثل في إعادة إصدار أعمال الشيخ الحاج مالك سي، وتعميم هذه المبادرة لتشمل جميع مؤلفات علماء ومشايخ الطريقة التجانية.