لجنة القدس .. تحركات دون هوادة ضد سياسة الأمر الواقع الإسرائيلية

(بقلم : عبد الله شهبون)

الرباط – يرجع الفضل في بقاء قضية القدس في صدارة الاهتمام الدولي، إلى حد كبير، إلى الانخراط المباشر والفعال لصاحب الجلالة الملك محمد السادس في الجهود الرامية إلى الدفاع عن القضية الأولى للمسلمين في مواجهة سياسة الأمر الواقع التي تنتهجها إسرائيل.
وتعد لجنة القدس، التي يرأسها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والتي ستجتمع في مراكش، الأداة الرئيسية لمنظمة التعاون الإسلامي في تدبير ملف القدس الحساس في كل تسوية سياسية للصراع العربي الإسرائيلي. كما تعتبر الجهة الوحيدة التي تعمل على الأرض من خلال ذراعها المالي الذي هو وكالة بيت مال القدس الشريف.
فالمغرب يعتبر قضية القدس عقيدة وخيارا دبلوماسيا لا يوازيهما سوى إرادة جلالة الملك في إقرار حقوق الفلسطينيين وحماية المدينة المقدسة، وفاء لتقاليد راسخة لملكية متضامنة ومتشبثة بالقيم العريقة.
وتبقى المعركة ضد سياسة الأمر الواقع التي تتجسد في التهويد المتنامي للأرض المقدسة وسياسة الاستيطان الذي يتمدد ويتوسع باستمرار، انشغالا دائما لصاحب الجلالة الذي ما فتئ يقوم بمبادرات لدى القوى الكبرى المؤثرة والأمم المتحدة بهدف الحفاظ على الطابع الخاص للمدينة.
ووفق هذه الرؤية إذن، حذر جلالة الملك، بصفته رئيس لجنة القدس، في شهر دجنبر الماضي، من خطر توقيع اتفاقية حول تراث الكنيسة الكاثوليكية بالقدس الشرقية ومن خطر ممارسات الاستيطان الاستفزازية من قبل إسرائيل.
ففي رسالتين للبابا فرانسيس والأمين العام للأمم المتحدة عبر جلالة الملك عن انشغال الدول الإسلامية العميق بهذا الأمر، مؤكدا أن مثل هذه الممارسات تتناقض وأسس الشرعية الدولية التي تشدد على ضرورة الحفاظ على الوضع القانوني للقدس.
وهناك أولية أخرى للمبادرة الملكية وهي الدفاع، دون كلل، من أجل وقف كل أشغال الحفر والتنقيب في محيط المسجد الأقصى الهادفة إلى تكريس سياسة الأمر الواقع.
وبخصوص هذا الملف بالذات، أثار جلالة الملك، في العديد من المناسبات، انتباه هيئات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي للتداعيات المقلقة للحفريات غير المشروعة التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية قرب المسجد الأقصى ومواقع أخرى بالمدينة المقدسة.
إن مثل هذه المبادرات، وأخرى غيرها، تعكس التشبث المستمر للمملكة بإعطاء مضمون ملموس لالتزاماتها تجاه فلسطين كما يدل على ذلك مساهمتها القيمة بواسطة وكالة بيت مال القدس الشريف التي تعمل على الأرض لحماية الأماكن المقدسة للمدينة والحفاظ على وضعها القانوني.
ففي كل مكان بالمدينة المقدسة هناك مشاريع اجتماعية أنجزتها الوكالة دعما لصمود سكانها. وباعتراف رئيس “مؤسسة ياسر عرفات”، السيد ناصر القدوة، فإن مساهمة اللجنة تعد محورية في جهود الأمة الإسلامية من أجل الدفاع عن القدس الشريف.
وبإشراكها لعدد من الفاعلين والقيادات الدينية في برامجها، عرفت وكالة بيت مال القدس كيف تركز اهتمام المجتمع الدولي على المكانة المركزية للمدينة المقدسة في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ولفت الانتباه للاعتداءات الممنهجة التي تتعرض لها المدينة منذ عقود.
وفي سياق هذه المقاربة العملية، وضع المغرب هذا الملف في مقدمة أولويات عمله الدبلوماسي بتشديده، في كل مناسبة، على أن كل تسوية لهذا النزاع ستكون لها انعكاسات هامة على السلم والأمن العالميين.
وقد أنشئت لجنة القدس في سنة 1975 بمبادرة من منظمة المؤتمر الإسلامي ويترأسها منذ سنة 1979 ملك المغرب. وتعمل بتنسيق وثيق مع مختلف المحافل الدولية المعنية، وتعمل باستمرار على الاتصال بالفاعلين الدوليين الذين يمكنهم المساعدة على إنقاذ المدينة.
وتجسيدا لهذه المهمة النبيلة أحدث المغرب وكالة بيت مال القدس الشريف المكلفة بدعم المقدسيين بواسطة مشاريع في مجالات الصحة والتربية والسكنى وكذا تعبئة الموارد المالية الضرورية لهذا الغرض.