الذاكرة والمواطنة : الرهانات الكبرى لنصف قرن من الهجرة المغربية نحو بلجيكا ( وزيرة بلجيكية )

(أجرى الحديث محمد احميدوش)

بروكسيل – أكدت الوزيرة البلجيكية للثقافة بفدرالية والوني بروكسيل السيدة فضيلة لعنان ، أن الذاكرة والمواطنة تشكلان ” الرهانين الكبيرين لتخليد مرور خمسين سنة على الهجرة المغربية نحو بلجيكا.

وقالت السيد لعنان ،في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء ” إن تخليد الذكرى الخمسين للهجرة المغربية صوب بلجيكا ، هو احتفاء بذاكرة الجيل الأول للهجرة المغربية التي ما تزال حية .. هذا الجيل الذي امتلك الشجاعة لكي يتوجه ، منذ ستينيات القرن الماضي ، إلى بلد لا يعرفه إلا عن بعد ، حيث بذل مجهودات كبيرة لكي يجد ذاته ويندمج في الحياة الاجتماعية البلجيكية” .

وحسب الوزيرة بفدرالية والوني بلجيكا ، التي خصصت نصف مليون أورو لتخليد هذه الذكرى ، فإن هذه الأخيرة هي أيضا مناسبة للاحتفاء وتكريم البلجيكيين الذين كانوا قد استقبلوا الجيل الأول للهجرة المغربية في الحياة اليومية ، حيث انخرطوا في تنمية مشتركة ، كما خلقوا فضاءات للتبادل والتمازج ، والذي انتقل تدريجيا إلى عدة ميادين “.

وتابعت الوزيرة البلجيكية ، التي تعتبر أول بلجيكية من أصل مغربي تحتل منصبا وزاريا ، أن تخليد هذه الذكرى هي أيضا طريقة للتأكيد على أن بلجيكا عرفت كيف تشيد مواطنة متقاسمة ، مبنية على قيم المساواة الاجتماعية والتضامن والاعتراف بالحرية الفردية لكل امرأة ورجل .

ويتعلق الأمر – تضيف السيدة لعنان – بلحظة رمزية هامة للاحتفاء ببلجيكا التي شيدت نفسها من خلال تنوعها ، كما أنها لحظة لتكريم المهاجرين المتوسطيين المغاربة ، خاصة أولئك الذين ساهموا بشكل كبير في بناء تاريخ هذا البلد في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

وفي معرض تطرقها لمساهمة المهاجرين المغاربة الأوائل ، الذين دعتهم بلجيكا سنة 1964 لتعويض النقص في اليد العاملة بعد الحرب العالية الثانية ، أوضحت الوزيرة أنه بفضل قوة عمل هؤلاء المهاجرين بالمناجم والصناعات الثقيلة ، وبمجالات مضرة أحيانا بصحتهم ، فقد ساهموا في دعم التنمية الاقتصادية . كما أنهم من بين ضحايا التسريحات الجماعية للعمال في نهاية السبعينيات وخلال الثمانينيات .

وبالنسبة للسيدة لعنان ، التي تنتمي للجيل الثاني من المهاجرين المغاربة ببلجيكا ، فإن الصعوبات التي واجهت المهاجرين الأوائل لم تمنع مغاربة آخرين من السير في نفس المسار المهني ، والذي مكنهم من المساهمة بشكل كبير في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية لبلجيكا .

وأبرزت الوزيرة أنه منذ تسعينيات القرن الماضي ، تمكنت شخصيات بلجيكية منتسبة للهجرة المغربية من بناء مسارات نقلتها إلى الصفوف الأولى ، وهو ما يعكس أهمية هذه الهجرة وهذا التحدي الناجح ما بين الذين استقبلوا والذين هاجروا ، مشيرة إلى أن ” قصة النجاح هاته ليست سوى وجها متمخضا عن الهجرة “.

وبعد أن أكدت أن آلاف العائلات ساهمت في بناء المجتمع البلجيكي ، عبرت عن أسفها لكون هذه المكتسبات الهامة يتم جزئيا ” تبخيسها من جانب خطابات الخوف والرفض ، والتي تصف المهاجر والمسلم والآخر ، باعتباره مسؤولا عن الصعوبات التي يمكن أن يعيشها قسم من السكان “.

وفي سياق متصل قالت الوزيرة إنه قبل عشرين سنة كان الشباب المنتسبون للهجرة يعتبرون أنفسهم منقسمين بين عالمين ” هنا وهناك ” ، لكن اليوم الوضع اختلف ، فأغلبيتهم يقولون إنهم ينتمون لثقافة مختلطة ( بلجيكية ، أوروبية ، مغربية ) ، كما يعتبرون حياتهم خليطا لهذه المكونات بدل الاعتراض عليها .

وأضافت أن الأمر يتعلق بجالية تتميز بأصولها العمالية، مما يجعلها بشكل خاص عرضة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية للنسيج الاقتصادي للمناطق التي تقيم بها.

وأشارت إلى أن نسبة كبيرة من الشباب البلجيكي من أصل مغربي يعاني مشاكل كبيرة ذات صلة بالتشغيل على مستوى منطقة بروكسل على سبيل المثال، وذلك جراء ندرة فرص العمل التي لا تشترط مؤهلات معينة.

وفي نفس السياق، أوضحت أن “هناك مشاكل أخرى تطال بشكل خاص هذه الجالية، ومنها الفقر والأمن والروابط الدينية، وأنه من أجل الانكباب على هذه القضايا انخرط العديد من البلجيكيين الذين ينحدرون من أصول مغربية في الحياة السياسية والجمعوية”.

من جهة أخرى، شددت الوزيرة، المكلفة أيضا بتكافؤ الفرص، على أن البلجيكيين من أصل مغربي ”يريدون اليوم أن ينظر إليهم على أنهم مواطنون لهم كامل الحقوق ويريد غالبيتهم أن تتيح لهم بلجيكا فرصا لتحقيق تطلعاتهم، أي اختيار نمط حياتهم بحرية، بالموازاة مع بعض اللامبالاة بخصوص نظرة الآخرين إلى أصولهم”.

وفيما يتعلق بالقيم، قالت الوزيرة إن المهاجرين المغاربة استفادوا من القيم العالمية للتضامن والمساواة السائدة في بلجيكا إلى درجة أن الكثير منهم انخرطوا سياسيا من أجل المطالبة بأكبر قدر من المساواة والقضاء على كافة أشكال التمييز والرفع من حجم وتنوع المشاركة في جميع مجالات الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية.

وقالت وزيرة الثقافة بنبرة لا تخلو من الاعتزاز “أعتقد أن مغاربة بلجيكا، على وجه التحديد، ساهموا علنا في التأكيد والانخراط في السياسات العمومية الرامية إلى نبذ كل أشكال العنصرية وكراهية الأجانب وتكريس المساواة في الحقوق وتكافؤ الفرص واحترام جميع الأديان والانفتاح على الثقافة وتطويرها، من خلال عقد اجتماعات مع ثقافات الجنوب”.

واعتبرت الوزيرة في الختام على أن نجاح الشباب المهاجر الذي ينحدر من أصول مغربية يرجع مرده إلى ثلاث قيم أساسية تتمثل في الدراسة والعمل والمثابرة.

وأضافت أنه “في إطار مهامي كوزيرة للثقافة، كنت ألتقي بانتظام مع شباب مهاجرين ينبضون بروح الإبداع ولديهم حوافز ومواهب لا حد لها. وكما هو الشأن بالنسبة لهؤلاء الفنانين الذين يحققون أحلامهم، فإنه لا يسعني إلا أن أشجع شباب هذا الجيل لكي يمضوا قدما في مواصلة هذا الطريق”.

وأضافت الوزيرة، مطمئنة أفراد الجالية المغربية، الذين ما انفك عددهم ينمو، أنه “على مدى 50 سنة من الهجرة، فقد تم قطع مسافة هامة على درب نجاح وتمثيلية الفئات الاجتماعية المنحدرة من الهجرة”.